تعليقا على موجة ارتفاع الأسعار.. "برهامي" يوضح السبب الحقيقي للغلاء وطرق علاجه

  • 443
الفتح - الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية

إن ظاهرة غلاء الأسعار مما عم به البلاء، وهذه الموجة من الغلاء اجتاحت الأسواق؛ حتى ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا فاحشا، لتصل إلى السلع الأساسية؛ مما أدى إلى إنهاك جيوب الشرائح الاجتماعية من ذات الدخل المحدود، وهذا الداء لابد من النظر إليه من منظار الشريعة؛ لأن مثل هذه الظواهر الخطيرة إذا لم تُعالج أدت إلى كوارث ونتائج سيئة، فما السبب الحقيقي وراء غلاء الأسعار؟ وهل ارتفاع الأسعار ظاهرة جديدة أم حدث قبل ذلك؟ وما علاج هذه الظاهرة التي يشتكي منها الكثير من الناس وكيف نواجه هذا البلاء؟


هل ارتفاع الأسعار ظاهرة جديدة؟

أجاب الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، قائلًا: لقد كان الغلاء يحدث على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم تكن نهاية العالم، ولا تدمير المجتمع؛ فاشهدوا قدرة الله -عز وجل- على أمر الغِنَى والفقر، والغلاء والرخص، واحتسبوا، واقتصدوا، فالقصد القصد تبلغون النجاة، مستشهدًا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما غلا السعر بالمدينة: "إِنَّ ‌اللَّهَ ‌هُوَ ‌الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ" [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني].


السبب الحقيقي للغلاء

وأشار "برهامي" -في مقال له بعنوان "نصائح في قضية الغلاء" نشرته جريدة الفتح- إلى السبب الحقيقي للغلاء قائلًا: الذنوب هي سبب البلايا والمحن، والمصائب المتتابعة، والخَرَاب "ولو كانت مِن المترفين"، قال الله -عز وجل-: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا ‌مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]، متسائلًا "فكيف إذا كانت في كلِّ طبقات المجتمع؟!".


نصائح وتوجيهات هامة لمواجهة بلاء الغلاء

ونصح بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، خاصة ونحن مقدِمون على رمضان أعظم علاج لهذه المحن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ‌خَمْسٌ ‌إِذَا ‌ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ" [رواه ابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني]. 


كما وجه "برهامي" رسالة لكل مسؤول، سواء كانت مسؤولية صغيرة أو كبيرة، قائلًا:

الرفق عباد الله ببعضكم، واحذروا المشقة على المسلمين فلا تحمِّلوا الضعفاء وحدهم أزمة الغلاء؛ لكي تنجوا بأنفسكم، بل تَشَاركوا معًا في تحمُّل أعباء الأزمة، وكونوا عباد الله إخوانًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ مَنْ ‌وَلِيَ ‌مِنْ ‌أَمْرِ ‌أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ ‌وَلِيَ ‌مِنْ ‌أَمْرِ ‌أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ" [رواه مسلم]، مشيرًا إلى أن لفظ: (شَيْئًا) نكرة في سياق الشرط؛ فهو عام في كلِّ ولاية حتى أصغر الولايات والمسئوليات إلى أكبرها.


وحذر التجار وأصحاب المصانع والمخازن وغيرهم مِن حبس السلع، وأخطر من ذلك: حبس العملات الأجنبية، وأخطر من ذلك: جمعها؛ لإضعاف الاقتصاد العام، ومَن يأملون في هدم النظام، وتخريب الوطن والمجتمع من خلال الأزمة أولى الناس بهذه الخطايا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا ‌يَحْتَكِرُ ‌إِلَّا ‌خَاطِئٌ" [رواه مسلم] 

كما أوضح "برهامي" أن تقاسم الأزمة، والتعاون بين أفراد المجتمع، ورعاية الفقراء منهم، واقتسام الضرر، واقتسام الحاجيات الضرورية مِن أسباب ولاية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، قال رسول الله: "إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا ‌أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ ‌قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" [متفق عليه].


وشدد نائب رئيس الدعوة السلفية على ضرورة النظر إلى عاقبة مَن يدعو إلى الفواحش، خاصة "اللواط"، ويريد نشرها في العَالَم، والسعيد مَن وُعِظ بغيره، ناصحًا بالمحافظة على العفاف، وتقوى الله -عز وجل- في مجتمعنا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا ‌ظَهَرَ ‌الزِّنَا ‌وَالرِّبَا ‌فِي ‌قَرْيَةٍ ‌أَذِنَ ‌اللَّهُ فِي هَلَاكِهَا" [رواه أبو يعلى بإسنادٍ صحيحٍ عن عبد الله بن مسعود]، وفي رواية: "ما ظَهرَ في قومٍ الزِّنا أوِ الرِّبا؛ إلا أحَلُّوا بأنفُسِهِمْ عذابَ اللهِ" [رواه أبو يعلى، وحسنه الألباني].