الانتحار.. أسباب واهية والضحايا مئات الآلاف

خبراء ودعاة: انعدام الوعي بالشرع والقدوات الفاسدة والمرض النفسي أبرز الأسباب

  • 31
الفتح - الانتحار

تزايدت معدلات الانتحار في السنوات الماضية على مستوى العالم، وأوضحت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 800 ألف شخص يموتون بالانتحار كل عام، وتلك الحالات أغلبها في قارة أوروبا، كما أن حالات الانتحار في منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا مصر كبيرة ومرتفعة مقارنة بالدول الأخرى، وهو ما نراه يوميًا في عدة مدن ومحافظات مصر حيث بات قتل النفس أكثر شيوعًا بين الشباب رغم أنه إحدى الكبائر التي تنهانا عنها عقيدتنا ويحرمها ديننا.

وفي هذا السياق، قال المهندس سامح بسيوني، الكاتب والباحث في شئون الأسرة والمجتمع، إن الانتحار عند البعض أحد أساليب التخلص من الضغوط النفسية والحياتية؛ وانتشاره دليل واضح على غلبة النظرة المادية البحتة في المجتمع نتيجة لضعف التوجيه الإيماني والعقدي الديني وكذلك التوجيه التربوي القيمي وضعف الثقافة النفسية الصحية مع اختلال واضح لحقيقة الدنيا بالنسبة للآخرة عند الكثير من أفراد المجتمع لا سيما فئة الشباب منهم.

وأوضح "بسيوني" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُصل على المنتحر وتركه لعِظم فعله وشناعته، مضيفًا أنه كبيرة من الكبائر علينا مواجهته ببيان أحاديث الوعيد على الناس على عمومها بلا تفصيل من باب الزجر عن الفعل والتخويف من الوقوع فيه. 

وأكد أنه في خضم هذه الحياة المادية المدمرة، يحتاج أبناء هذا الجيل إلى من يعلق قلوبهم بالله وحكمته سبحانه وتعالى ومن يضبط لهم ميزان الدنيا والآخرة، ويوضح لهم أحكام هذه الأفعال وجزاءها المخيف في الآخرة، ومن يخاطب عواطفهم مبينًا لهم الآثار المدمرة التي تحدث لأحبابهم المتعلقين بهم في الدنيا نتيجة إقدامهم على الموت منتحرين، ومن يسمعهم ويحنو عليهم ويوجههم بالقدوة قبل الكلمة، ويحفزهم ويكتشف قدراتهم ويوجهها، ويبث فيهم الأمل لتحقيق أحلامهم المشروعة، ومن يظهر لهم تلك القدوات الناجحة الصالحة عبر التاريخ، ويعرفهم بالأمثلة العملية والقدوات الصالحة الناجحة في مثل واقعهم وظروفهم وبيئتهم وتحدياتهم.

وعن علاج تلك الظاهرة المحرمة، شدد بسيوني على أن المسئولية جماعية، تقع على عاتق كل من الآباء والأمهات والأسرة، ثم المصلحين والدعاة، وبالأصالة تقع على عاتق الدولة أيضا؛ مضيفًا أن الدولة يجب عليها أن تتيح لهذا الجيل القدر اللازم من الارتواء الإيماني الديني الصحيح والتوجيه النفسي المعنوي اللازم لبناء الشخصية السوية عبر المؤسسات التعليمية، والمساجد والمنظمات المجتمعية، ومراكز الشباب والأندية الرياضية، ودعم الأنشطة التنموية الفاعلة واللازمة لتحقيق الذات والمانعة من الإحباط، وتوفير حياة كريمة تضمن للجميع الأمان الاقتصادي والاستقرار الحياتي، والحذر كل الحذر من تلك الصيحات المتتابعة من التيارات العلمانية والليبرالية وأصحاب الأجندات الغربية التي تدعو إلى فصل الدين عن الحياة وتجفيف منابع الارتواء الروحي الديني العاصم الحقيقي من الوقوع في الانتحار.

وعن دور الآباء والأمهات في مكافحة الانتحار، أكد أنه يجب عليهم الاستماع الجيد لأبنائهم ومصاحبتهم والعمل على دعمهم نفسيًا وإيمانيًا، وأن يكونوا مصدر ثقة ودعم وأمان لهم بالقدوة والحكمة والرفق واللين، مؤكدًا أهمية دور الدعاة والمصلحين في مواجهة الظاهرة بتكثيف الجهود لمواجهة النظرة المادية المتفشية في المجتمع، وكذا التغريب ودحض دعوات التشكيك والإلحاد التي تُبث في نفوس الشباب، والاختلاط بالشباب على الأرض.

وقال الدكتور عبد العزيز النجار عضو لجنة الفتوى ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف إن الانتحار بكل أشكاله ووسائله وأسبابه مهما كانت هي كبيرة من الكبائر في الإسلام، لافتًا إلى أن تخلص المرء من حياته يعتبره الإسلام من الكبائر وجريمة من أبشع الجرائم على الإطلاق يكون سببها الرئيسي ضعف الوازع الديني عند الإنسان وغفلته عن عواقب الانتحار الوخيمة في الدار الآخرة بالإضافة لبعض الأسباب الأخرى مثل الأمراض النفسية والمخدرات وغيرها، لافتًا إلى قول الله عز وجل: "وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (*) وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا". 

وأوضح النجار في تصريحات لـ "الفتح"، إن علاج هذه الظاهرة يكمن في الأصل في دور الدولة عبر مؤسساتها الرسمية والتربوية والدينية والإعلامية والوزارات الخدمية في الاعتناء بالشباب وتقديم الدعم لهم وكذلك دور المجتمع والأسرة في التربية الإسلامية الشاملة والعودة إلى القيم الإنسانية النبيلة في الدين الإسلامي وحمايتهم من الأخطار التي تهدد المجتمع، وتوجيه العباد إلى ما يعود عليهم وعلى المجتمع بالخير وتقويم السلوك وتهذيب الفكر للارتقاء بعقول الشباب وأجسادهم وتوفير أنشطة مفيدة لأوقات فراغهم.

ونوه النجار بضرورة الاهتمام بدور الأسرة والمدرسة والمؤسسات التعليمية والتربوية والدعاة للنهوض بأفراد المجتمع والتركيز على الجوانب الإيجابية لدى الفرد وبث الأمل عندهم في الحياة وفي المستقبل، ومحاولة فهم ظروف الفرد والأسباب التي أدت به إلى مجرد التفكير في الانتحار ومساعدة هؤلاء في وجود حلول عملية وواقعية يمكن تطبيقها على أرض الواقع للأسباب التي دفعته إلى التفكير في الانتحار.

وأكد أن الأسرة عليها أن تنصت إلى أبنائها وتعرف احتياجاتهم وتربيهم تربية حسنة على الأخلاق والدين والحذر من مقارنتهم بالآخرين وكثرة توجيه اللوم والنقد لهم وتعمد إحراجهم أمام زملائهم وأمام الأهل والاستهزاء بهم، بل عليهم أن يمدوا لهم يد العون ويتواصلوا معهم عاطفيًا وتنمو الأسرة في ود وحب وتعاون وعبادة لله عز وجل ومعرفة أوامره ونواهيه، مشددًا على أن تربية الأسرة لأبنائها وتعليمهم عقيدتهم وأركان دينهم أكبر سلاح للقضاء على هذه الظواهر المحرمة.

ويؤكد أحمد الشحات الباحث في الشئون السياسية والقضايا الفكرية والتربوية، إن الانتحار أصبح ظاهرة مفجعة، متعجبًا من تصور من يقدمون عليه بأن فيه راحة لما يعانونه من مشكلات أو أزمات أو غير ذلك.

وأشار إلى أن الكثير من أبناء هذا الجيل يعاني من الهشاشة النفسية وعدم القدرة على تحمل الصدمات والمواقف الصعبة أو الحرجة أو غير ذلك ويظن أن في إزهاق روحه إراحة لنفسه وهذا أول خلل يسهل من إقدام الشباب على الانتحار.

وأوضح الباحث في تصريحات لـ "الفتح"، أن أول طريق للعلاج أن نقول للشباب ليست هناك راحة بعد الانتحار بل مزيد من الآلام، وأن ما يمكن أن تحتمله في الدنيا من همومها لا يمكن مقارنته بحال من الأحوال بعذاب الآخرة وعذاب القبر لكل من يموت منتحرًا ويزهق روحه هو يتسخط على قدر الله تبارك وتعالى، مشيرًا إلى أن محور العلاج الثاني في أن نُعلّم الناس عقيدة القضاء والقدر وأن يفهم الناس معنى البلاء وأن الأنبياء رغم أنهم أعز الخلق وأشرفهم عند الله تبارك وتعالى تعرضوا لكثير من البلاء ومنهم من قُتل في سبيل دعوته ومنهم من ظل يدعو قرابة الألف عام ولم يسأم ولم يمل ولم يترك المهمة التي كلفه الله عز وجل بها.

وأشار الشحات إلى أننا لو نظرنا في سير الصالحين وقصص الآباء والأجداد عبر التاريخ سنجد أن حياتهم صور من البلاء إما إخراج من وطنه والسجن والطرد والسطو أو تشويه سمعته أو غير ذلك مما هو معلوم مما عانوه في مقتبل عمرهم، لافتًا إلى أن المرض النفسي هو أحد أسباب الانتحار حيث يجعل الإنسان  كأنه مسلوب الإرادة، مما يحتم على كل من يعاني من مرض نفسي ومن يشعر بتعرضه لاكتئاب أن يهرع مباشرة إلى الطبيب النفسي ولا يتأخر في ذلك ولا يخجل الإنسان من أن يطلب العلاج.

وقال رجب أبو بسيسة الكاتب والداعية الإسلامي، إنه يجب علينا الاجتهاد لإنقاذ الشباب من الانحراف والهلاك ولا نتركهم يُحبطون ويستسلمون أمام عقبات الحياة، لافتًا إلى دور دعاة الخير بأن يأخذوا الشباب إلى طريق الاستقامة.

وقال إن الحل للأزمات ليس في الانتحار، إنما الحل في إصلاح نفسك وعملك وسلوكك وفي قربك من الله حتى لا تكون ممن تاه في الدنيا وضل سعيه لأن الحياة الحق في التوبة، مضيفًا أن كل من يقبل على الانتحار يفر من ألم إلى قتل نفس بغير حق، فإذا قتل نفسه تعرض إلى جهنم والعياذ بالله.

 وقال الدكتور وائل سمير الكاتب والداعية الإسلامي، إن ظاهرة الانتحار دخيلة على المجتمع المسلم وليس مستوعبًا أن تقع ممن يؤمن بالله واليوم الآخر، مضيفًا أنها من آثار ابتعاد هؤلاء عن دينهم وتجهيل بعض المسلمين بعقيدتهم، كما أنها من آثار تقليد الثقافة والحضارة الغربية وشؤمها.

ولفت إلى أن انتشار الانتحار بين الشباب له أسباب وعوامل كثيرة لابد أن تتم مناقشتها ودراستها وطرحها، ومن أهمها ابتعاد الشباب عن دين الله -عز وجل- ونقص الوعي الشرعي للإيمان بالله والإيمان بقضائه وقدره واليوم الآخر.

ونبه سمير في تصريحات لـ "الفتح"، إلى انعدام معرفة قيمة الحياة وأسباب السعادة وأن السعادة الحقيقية في العمل لدين الله -عز وجل- وليس السعادة فقط في جمع الأموال والركض وراء الشهوات والفواحش والمحرمات، مؤكدًا على أهمية أن لا يكون الإنسان عبدًا للدرهم والدينار كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ألا تكون الدنيا همه ومبتغاه، لافتًا إلى غياب دور الأسرة التي تربي وتنمي المعالم في المجتمع وغياب القدوات الصالحات وباتت القدوات فاسدة مثل لاعبي الكرة والمغنيين والممثلين إلا من رحم الله.

وأكد سمير أن القدوات باتت منفصلة عن الواقع إضافة إلى زيادة التفاوت الطبقي، وفشل المجتمع في التعامل مع المعتلين والمرضى النفسيين بواقعية، ومعرفة أن هؤلاء كغيرهم من المرضى يحتاجون إلى علاج وعطف، مشيرًا إلى أن بعض من ينتحرون كانوا في الأساس مرضى نفسيين.

واستنكر غياب دور الأسرة والاهتمام بالأبناء وتقديم الحنان والعطف والرعاية والأبوة والأمومة التي افتقدت والإخوة التي ضاعت في عالم مادي بحت لا ينظر إلى هذه المعاني الأخوية والمعاني الإيمانية كالعفو والإيثار والدعم.

وأوضح الداعية أن من ضمن أسباب انتشار تلك الظاهرة غياب الأهداف العليا عند الشباب وفقدان معاني لذة العبودية والطاعة وبلوغ الدرجات العليا في الآخرة ومرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- والرسل والصالحين والتأسي بالصحابة رضوان الله تعالى عليهم والاهتداء بهم وأهمية العمل الدعوي ومردوده على العبد من الخير والبركة والسعادة، منبهًا إلى دور الإعلام والميديا التي باتت تستخف بمعاني الدين وانتشار ظاهرة الإلحاد.

وعن سبل مواجهة انتشار تلك الظاهرة، نوه بضرورة الاهتمام بدور المؤسسات الدينية للدولة والدعاة والمصلحين ودعم الأسرة في أن تقوم بدورها في تربية أبنائها وتأهيل المجتمع ونشر الفضائل والأخلاق ومحاربة انتشار الشهوات والمحرمات وتقديم قدوات صالحة للناس وتحذير الشباب من مغبة الانتحار وتوضيح حكم الشرع في المنتحر وبيان قول الله عز وجل ورسوله في المنتحر للناس وإطلاق بيان عاقبة هؤلاء الذين يموتون بهذه الطريقة.

وأكد على ضرورة الاهتمام بالقرآن الكريم والسنة النبوية ونشر الوعي الديني بين الناس في القضاء على تلك الظاهرة، لافتًا إلى قيمة القرآن وتأثير تلاوته على نفسية الإنسان وكيف تطمئن به القلوب.