ليلة يتغير فيها نواميس الكون.. "داعية": العبد مفتقر إلى محو أدران خطاياه والانكسار بين يدي الله في العشر الأواخر

  • 16
الفتح - أرشيفية

قال الداعية الإسلامي، سعيد محمود: إن الله -سبحانه وتعالى- يتفضَّل على عباده بنفحات الخيرات ومواسم الطاعات، فيغتنم الصالحون نفائسها، ويتدارك الأوابون أواخرها؛ مضيفاً: ليالٍ مباركة أوشكتْ على الرحيل، ليالي شهر كريم، أبواب الجنان فيه مفتحة، وأبواب النار فيه مغلقة، والشياطين فيه مصفدة، العشر الأواخر منها تاج الليالي، فإنها أفضل الليالي وأعلاها قدرًا، عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" [متفق عليه].

وأشار "محمود" -في مقال له عبر موقع "صوت السلف"- إلى أنه في العشر ليلة هي أم الليالي الأخيرة، تتغير فيها نواميس الكون في أحوال كثيرة، متابعاً: خَلق عظيم ينزل مِن السماء لشهود تلك الليلة العظيمة؛ ليلة سلام وبركات على هذه الأمة، فهي ليلة البركات والخيرات، وهي عزيزة الساعات، القليل مِن العمل فيها كثير، والكثير منه مضاعف، قال الله -تعالى-: (ليْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر:3-5].

وتابع: في هذه الليلة نزل كتاب ربنا العظيم: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر:1]؛ مما يدل على علاقة وثيقة بينها وبيْن القرآن العظيم، الذي مَن قرأ حرفًا منه له به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، إلى أضعاف كثيرة، وهو شافع لصاحبه يوم القيامة، وسبب رفعته في الدنيا والآخرة؛ ناصحاً: فاجعل لتلاوة القرآن على لسانك في العشر الباقية طراوة، ولصوتك منه نداوة، لتظفر بشفيعين في الآخرة: "القرآن، والصيام".

واستطرد الداعية الإسلامي قائلاً: والصلاة قرة عيون الصالحين، وراحة أفئدة الخاشعين، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل مِن خير أصحابه وهو عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) [متفق عليه]، متسائلاً: فكيف وأنتَ في أعظم ليالي خلقها الله -تعالى-؟!، وقد بشَّرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمغفرة إذا قمتها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) [متفق عليه]، موضحاً أن معنى (إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا) أي: "تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه، وطلبًا للأجر لا لقصد آخر مِن رياء أو نحوه" [فتح الباري].

ولفت إلى أنه في كل ليلة مِن العام ساعة إجابة تفتح فيها الأبواب، والكريم فيها يمنح، تسأل فيها ما شئتَ؛ متسائلاً: فكيف إذا انضاف إليها كونها في الليالي العشر بيْن هذا الحفل العظيم في السموات والأرض؟!، متابعاً: فالعبد مفتقر إلى محو أدران خطاياه، والانكسار بين يدي الله في هذه العشر المباركات؛ فارغب إلى ربك فيها، وداوم على ذكره وسؤاله، فما أكثر أوقات الإجابة في هذه العشر المباركة.

وذكر أن مِن عظيم فضل الله علينا، أنه لم يحدد لنا ليلة القدر بليلة معينة، بل قال فيها نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا -أَوْ نُسِّيتُهَا-؛ فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ) [متفق عليه]، ناصحاً: هذه الليالي أكثِر فيها مِن طلب العفو عساك أن تفوز به، قالتْ عائشة -رضي الله عنها-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: (تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) [رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني]، قال  الإمام ابن رجب -رحمه الله-: لماذا سؤال العفو حتى بعد اجتهاد أيام العشر؟!، فأجاب "إنما أمره بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحًا، ولا حالاً ولا مقالاً؛ فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصِّر!".