زلزال سوريا وتركيا.. خسائر بشرية وأزمات اقتصادية مروّعة

  • 58
الفتح - أرشيفية


العالم ينتفض لتقديم الإغاثة وانتشال الضحايا والعالقين تحت الأنقاض

متحدث الدعوة السلفية: المسلمون جسد واحد.. ومساندة المتضررين ضرورة

سوريون: مصر هي الشقيقة الكبرى.. والكارثة كشفت لنا الوجه الحقيقي لإيران وعصاباتها 



خلّف زلزال الشرق الأوسط، فجر الاثنين الماضي، خسائر فادحة، قدّرت تكلفتها بالمليارات، لا سيما في أكثر الدول تضررًا وهي تركيا وسوريا، حيث تجاوز عدد ضحايا الزلزال في البلدين9  آلاف قتيل تقريبًا -حتى كتابة هذه السطور-، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المصابين، حيث جاء الزلزال بقوة 7.8 درجات، في الوقت الذي تُعيق فيه الأمطار والثلوج جهود الإنقاذ.

العالم ينتفض

وتسابق العديد من الدول العربية والإسلامية وغيرها، في تقديم يد العون والمساندة، وإرسال فِرق الإنقاذ المختلفة، لسوريا وتركيا، وفي مقدمتها مصر، حيث وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي بإرسال خمس طائرات عسكرية محمّلة بالمساعدات الطبية العاجلة لكلا البلدين، كما خصّص الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين جسرًا جويًا لتقديم المساعدات المتنوعة للأشقاء في سوريا وتركيا، بالإضافة إلى جهود كبيرة من العديد من الدول، من أبرزها دولة الجزائر التي ساهمت بإرسال بعض الفرق المتخصصة للإنقاذ، كما ساهمت دولة الإمارات العربية، ومملكة البحرين، ودولة قطر، وإيطاليا، وتايوان، والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها.

وضرب الزلزال أجزاءً واسعة من شمال وغرب سوريا، في الوقت الذي تعدّ فيه مدينة "حلب" هي أكثر المدُن تضررًا من الكارثة، وذلك نظرًا لضعف بنيتها التحتية، بالإضافة إلى تكدس السكّان بها بسبب الأحداث السورية التي أدت إلى وجود ملايين اللاجئين بها، كما أثر الزلزال آثارًا كارثية في 10 مدن تركية، هي: غازي عنتاب، وقهرمان ماراش، وهاتاي، وعثمانية، وأديامان، ومالاتيا، وشانليورفا، وأضنة، وديار بكر، وكيليس.

توثيق الكارثة

وتناقل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعة كبيرة جدًا من المقاطع المرئية، والصور الفوتوغرافية الصعبة التي توثّق الكارثة في سوريا وتركيا، وتنقل صورًا لسقوط المنازل والمؤسسات، حيث تصدر هاشتاج (زلزال الشرق الأوسط) و(زلزال سوريا وتركيا)، التريند على مواقع التواصل، ومئات الآلاف من التغريدات المختلفة، مما أدى إلى وجود حالة شديدة من التعاطف تجاه هذه الكارثة، تذكّرنا جميعًا بحديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى"، وأن أمة الإسلام هي جسد واحد، برغم ما يخطط له أعداء الأمة من محاولات للنيل منها، وإضعافها.

المسلمون جسد واحد

وأعرب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في بيان رسمي، عن تضامنه الكامل مع الشعبين السوري والتركي، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل للمساعدة في إنقاذ المحاصرين تحت أنقاض المباني المنهارة، وتقديم الدعم والإغاثة العاجلة للمتضررين جراء الزلزال.

وفي نفس الصدد يقول الشيخ عادل نصر، المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية، حدث في هذه الأيام زلزال مدمّر ألحق ضررًا كبيرًا بالأنفس والأرواح وغير ذلك في سوريا وتركيا، وينبغي على الأمة جميعًا أن تتفاعل مع إخوانهم بالدعاء، والتعاون المادي، فالمسلمون جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى، كما وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- أمة الإسلام، فنسأل الله أن يرحم من مات وأن يتقبله في الصالحين، فالهدم شهادة، كما نسأله سبحانه أن يخفف عن المرضى وأن يشفيهم، وأن يتغمد الجميع برحمته ولطفه، كما أننا نهيب بالأمة الإسلامية شعوبًا وحكامًا أن يتفاعلوا وأن يمدوا يد العون لإخوانهم المصابين والمنكوبين هناك. 

وأضاف نصر لـ "الفتح"، أننا نذكّر أنفسنا جميعًا بأن السبب الرئيسي فيما يحدث من ابتلاءات وعقوبات قدرية كونية، -فالعقوبات قسمان، عقوبات كونية قدرية، وعقوبات شرعية، فأما العقوبات الشرعية كالحدود والتعزيرات وهي حدود تخص أصحابها الذين يقترفون أسباب هذه الحدود، أما العقوبات القدرية الكونية فهي مما يحدث من بلاء عام يصيب الجميع، كالبلاء والوباء، والزلازل والبراكين، وغيرها مما يحدث للناس، هذا البلاء يقع بسبب المعاصي والمخالفات التي يرتكبها البشر، قال الله سبحانه وتعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، وقال سبحانه: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"، فما يصيب الخلق إنما هو بما كسبت الأيدي، وما ربّك بظلام للعبيد، قال الله سبحانه وتعالى: "ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".

وتابع: في الرعيل الأول سادة الأولياء بعد الأنبياء والصحابة، وبينهم رسول الله سيد الأولين والآخرين، ومع ذلك عندما اقترف البعض مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما حدث في غزوة أُحد، تغيّر الحال، وبعد النصر وقعت الهزيمة، وقتل 70 من خيرة الصحب الكرام، ولما تساءلوا عن السبب، نزل القرآن حاسمًا، "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، ولذلك ما يحدث للمسلمين اليوم من ابتلاءات ومصائب، إنما سببها المخالفة، وما انتشر من انحرافات عقدية، وصرف للعبادة لغير الله سبحانه وتعالى، ومن دعوات باطلة، يبرر أصحابها الشرك، ويسوّغونه، مخالفين الآيات والأحاديث، وما بُعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أسباب البلاء

وشدّد نصر أن من أسباب البلاءات كذلك تفشّي المعاصي الكبار، كالربا والزنا وغيره، والربا قد توعد الله سبحانه وتعالى من فعله بالحرب، فقال سبحانه: "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ"، وقال سبحانه: "يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ"، والنبي صلى الله عليه وسلم، بيّن لنا هذا، فقال في الحديث الجامع: "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".

توبة نصوحًا

وأَوضح متحدث الدعوة أننا لذلك نقول كما قال أهل العلم: "إن الجزاء من جنس العمل، في شرع الله وقدره"، والربّ سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئًا لكن الناس أنفسهم يظلمون، كما أن هذه البلاءات تُرسل ليتذكر الناس، وليتوبوا، وليعودوا للطاعة، وليراجعوا دينهم، ولذلك على الأمة أن تتوب إلى الله توبة نصوحًا، وأن تتواصى بالخير والحق، فهذا والله هو الذي يدفع عنّا العقوبات القدرية الكونية، وغيرها، قال الله سبحانه وتعالى: "وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا"، فنحتاج إلى مراجعة وتوبة، وإقامة للدين، حتى يدفع الله عز وجل عنا ما وقع بنا.

واختتم نصر بقوله: إن الله سبحانه وتعالى يقول: "فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، وما نراه من البعض في التعامل مع هذه الابتلاءت بالسخرية والضحك، ليس علاجًا، العلاج بالتضرع إلى الله، والتوبة إليه، والعودة إلى الله سبحانه وتعالى، يقول الله: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"، فالقرآن الكريم واضح، لذلك نهيب بالأمة أفرادًا وجماعات وحكومات، أن يتوب الجميع إلى الله سبحانه وتعالى: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

آثار كارثية

من جانبه، يقول الدكتور عبد الرحمن العبيسي، عضو هيئة التدريس بجامعة دمشق، إن الآثار التي خلّفها الزلزال هي آثار كارثية، بكل ما تحتمل الكلمة من معنى، وكأننا نرى بعض الصور من علامات يوم القيامة، يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، وفي الحقيقة لم تكن هذه الآثار في سوريا فحسب، بل في تركيا أيضًا كما رأينا.

وأضاف العبيسي لـ "الفتح"، أن أكثر المناطق تضررًا في سوريا، هي منطقة حلب، حيث آلاف الضحايا، نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء، وقد حدث -نتيجة الزلزال- انهيار شديد للعديد من المباني الحكومية والخاصة، وتحولت هذه المباني إلى أكوام من التراب، في لحظات.

وتابع: في الحقيقة هي كارثة، نثمن فيها جهود الأشقاء العرب الذين ساهموا من اللحظة الأولى، وفي مقدمتهم الشقيقة الكبرى مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية، والجزائر، وغيرها من الدول التي ساهمت بإرسال فرق الإنقاذ، أو من خلال إرسال العديد من المعونات الغذائية والطبية.

وأشار العبيسي إلى أن هذه الكارثة رغم بشاعتها، أظهرت لنا الوجه الحقيقي للنظام الإيراني، الذي لا يعرف من سوريا إلا ثرواتها، فهو حليف استراتيجي في وقت السرقة، وأما في وقت الدمار، يختفي النظام الإيراني من المشهد، وبالتالي تختفي معه عصاباته الشيعية المسلحة، التي يسلطها لتخريب البلاد، وقتل العباد.

وتساءل الأكاديمي السوري: أين هو دور عصابات حزب الله الإرهابية -وغيرها من عصابات شيعية متطرفة، زرعتها إيران في سوريا- من هذا الدمار؟، مما يدل على أن هذه الجماعات الشيعية لا ترقب في المؤمنين إلًّا ولا ذمة، وأنها عصابات من المرتزقة، تريد تفتيت البلاد.

واختتم: نحتاج إلى تضافر الجهود العربية لاستعادة سوريا الجميلة كما كانت، ودائمًا ما نتطلع إلى دور مصر الرائد، في دعم إعادة سوريا إلى الواجهة من جديد.