• الرئيسية
  • مواد مميزة
  • جمع بين العلم الشرعي والإتقان الإداري.. "متحدث الدعوة السلفية" يكشف عن جوانب من حياة الشيخ أبي إدريس رحمه الله

جمع بين العلم الشرعي والإتقان الإداري.. "متحدث الدعوة السلفية" يكشف عن جوانب من حياة الشيخ أبي إدريس رحمه الله

  • 334
عادل نصر، المتحدث باسم الدعوة السلفية

أكد عادل نصر، المتحدث باسم الدعوة السلفية، أن الشيخ أبا إدريس محمد عبد الفتاح، قيّم الدعوة السلفية بمصر ورئيس ملجس إدارتها منذ تأسيسها وحتى وفاته -رحمه الله- قد جمع بين العلم الشرعي والإتقان الإداري، بالإضافة إلى الحكمة ورزانة العقل والثبات العاطفي والإنصاف، مشيرًا إلى أن هذا الصنف من أندر الندرة وجوده.


الشيخ أبو إدريس محمد عبد الفتاح رحمه الله


وبين "نصر" -في مقال له بعنوان "حكايتي مع فضيلة الشيخ أبي إدريس رحمه الله.. والنصيحة الذهبية"- ما دار بينه وبين الشيخ أبي إدريس -رحمه الله- في أول لقاء بينهما وما كان له من أثر على مسيرته الدعوية في محافظته.

وقال: فبعد أن منّ الله عليّ بحب الالتزام والتسنن، ووفقني بفضله وكرمه إلى الانتساب إلى المنهج السلفي المبارك، والانخراط في صفوف الدعوة السلفية المباركة، وذلك في ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بالحضور لمشايخها والمتابعة لإصدارات الدعوة العلمية والمنهجية والدعوية والتعلم والعمل في ضوء رؤيتها الشرعية سواءً في الجامعة أو خارجها، أقول بعد ذلك أردت أن يكون عملنا الدعوي في بلادنا والذي كان في باكورته وتواجده لا يتجاوز عدة قرى صغيرة أردت أن يكون مرتبطًا بالدعوة حيث كانت محافظتنا تعج بالأفكار التكفيرية والصدامية، بل هي من معاقله الأساسية، فذكرت رغبتي هذه لشيخنا المبارك الدكتور ياسر برهامي بعد  حضوري لخطبة الجمعة والصلاة مع فضيلته بمسجد الرحمة بالطالبية في محافظة الجيزة فقال لي "هذا ليس معي"، بل ترتيب ذلك مع القيم الشيخ أبي إدريس.

وأضاف "نصر": بالفعل تم ترتيب لقاء لي مع فضيلته عليه رحمة الله وكان المكان المحدد لذلك مسجد نور الإسلام في مكتب فوق المسجد يمارس فيه فضيلته رحمة الله عليه مهامه الإدارية وذهبت وفق الموعد المضروب وصليت وراء شيخنا المبارك أحمد حطيبة -حفظه الله- ثم صعدت بعد الصلاة وانتظرت فضيلته عليه سحائب الرحمة والرضوان، ثم حضر في مواعيد عمله وعن جدية الشيخ في ذلك وإتقانه وانضباطه قل ما شئت فلن توفيه حقه حيث كان يرى -رحمه الله- أن إدارة الأعمال الدعوية والسعي لإعلاء كلمة الله -عز وجل- في أرضه من أجَّل الواجبات وأعظم القربات والتي ينبغي أن تؤدَّى علي أكمل الوجوه.

وتابع: وبعد ما دخل فضيلته المكتب وأذن لي بالدخول ورحب بي ووجدت نفسي أمام شيخ عليه المهابة والوقار على الرغم من ابتسامته الجميلة التي يبادرك بها فطلب مني تقريرًا عن الوضع الدعوي من حيث تواجدنا الدعوي بكافة مفرداته ومن حيث الاتجاهات الموجودة فذكرت له أن المحافظة بها كافة الأفكار من إخوان وجماعة إسلامية وتنظيم الشوقيين التكفيري، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة ذات سمت سلفي بيد أنها ترفض التسمي وتقول "إنها تسعى لتوحيد صف الجماعات"، وهي غاية عظيمة لو كانت بعد حسم الخلافات وفق منهج القرآن والسنة برد النزاع إلى الله أي كتابه وإلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أي سنته كما أمرنا الله، ولكنهم يرون اجتماع الجماعات كل بما عليه، فالسلفيون يعلمون الناس والتبليغ يأتون بهم وجماعات الصدام تقاتل بغض النظر عن كون ما تفعله صوابًا أو خطئًا؛ أما السياسة فتترك للإخوان؛ وهو ما يعني أن تكون الجماعات الأخرى مجرد أدوات تخدم على مشروع الإخوان بكل ما فيه من مخالفات شرعية -وهذا عين الطرح السروري كما تبين لنا بعد ذلك- وبعد تجاذب أطراف الحديث بيني وبين الشيخ -رحمه الله- قلت له "فما الحل في  هذا الواقع"، تبسم  ثم قال لي ناصحًا وموجهًا "الحل في العمل الدعوي الجاد وحينما ينتشر الصواب يكون أمام الخطأ والانحراف واحد من أمرين: إما أن يضعف ويتلاشى، وإما أن يذوب وينصهر في الحق تلقائيًا"، ويا لها من نصيحة لقد كانت بحق نصيحة ذهبية، بل أنا نفسي وقفت أمامها أتأملها وأفكر فيها، تحولت عندي إلى مبدأ راسخ أنطلق منه وأنصح إخواني وأردده حتي يتقرر  لديهم، فمقاومة البدع والانحرافات لا تكون بمجرد تعريتها والرد على شبهات أهلها وإن كان لابد من ذلك، بل تكون بالدعوة للحق الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام ابتداءً وبناء الكيان الدعوي القائم على ذلك.

وأشار "نصر" إلى أنه كان لهذا اللقاء وتلك النصيحة الذهبية أحسن الأثر علي وعلى إخواني، بل كان بمثابة النقطة الفارقة في انطلاقة العمل الدعوي وذلك مع ما ترسخ لدينا من أن المقصود بالعمل الدعوي هو الذي يقوم على ركيزتين، هما الإعداد والبناء والذي يعني بناء النماذج القادرة على حمل الدعوة وأدائها وفق منهج الكتاب والسنة، والثانية الانتشار بتبليغها وجمع الأمة على الحق الذي تعبدها الله بها وهو الوحي المنزل كتابًا وسنة.

واستطرد: أعود إلى لقائي مع الشيخ -رحمه الله- والذي لم  يتوقف عند حد التوجيهات والنصائح الدعوية وما ينبغي أن يقوم عليه العمل الدعوي الناجح، وإن كان قد بهرني بسعة أفقه ودقة طرحه وترتيب أفكاره، بل تطرق إلى  بعض المسائل العلمية والفقهية التي سألته فيها فأجابني إجاباتٍ رصينة كان يشير في بعضها إلى كتاب المغني والذي في مكتبة بجواره ويقول هذا ما رجحه ابن قدامة في المغني؛ وهكذا فأنت قد تجد طالب العلم الشرعي  والداعية المفوه، لكن لا دخل له بالعمل الإداري، وقد تجد من يحسن الإدارة، لكن لا صبر عنده على التعلم حتى إنه لم يحصل الحد الأدنى الذي لا يسعه جهله وهذا من المؤسف هو الغالب في الدعوات؛ أما أن تجد من يجمع بين العلم الشرعي والإتقان الإداري فهذا هو النادر فضلًا عن أن يضاف إلى ذلك الحكمة ورزانة العقل والثبات العاطفي والإنصاف، فهذا الصنف والله من أندر الندرة وجوده وهذا والله ما رأيناه في شيخنا عليه رحمة الله.

أما عن العلم بفنونه المختلفة فكل من جالسه وسأله وحاوره وطالع رسائله وتحقيقاته العلمية لا يسعه إلا أن يشهد له بذلك.

وأما براعته الإدارية وحنكته فيها فهي أشهر من أن يدلل عليها وحسبك أن تعلم أنه قاد سفينة الدعوة السلفية منذ بدايتها وحتى وفاته -رحمه الله- وفق مبدأ الشورى والذي كان يعلي من شأنها ويقدرها قدرها؛ أقول قادها بحكمة مع إخوانه وأبنائه وسط أمواج الفتن المتلاطمة، فكان التوفيق والسداد حليفهم.

أما عن دوره بعد يناير وبعد التحول للعمل المؤسسي وكيف كان دورًا رئيسًا في تثبيت ذلك الكيان وتماسكه وحمايته من المخاطر، أقول هذا الدور لا يمكن أن تسعه مقالة بل يفرد له كتاب.

واختتم "متحدث الدعوة السلفية" مقاله، قائلًا: تُوفي الشيخ وعزاؤنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد مات، فهذه سنة الله في خلقه ونسأل الله -عز وجل- أن يفرغ علينا صبرًا وأن يأجرنا في مصيبتنا ويخلف لنا خيرًا منها وأن يجزل له المثوبة والعطاء جزاء ما قدم لدينه ودعوة الكتاب والسنة، وأن يعين إخوانه وأبناءه على حمل الأمانة بعده واستكمال السير في الطريق حتى يمكِّن الله لدينه ويمن على الأمة بالعز والسناء إنه ولي ذلك والقادر عليه.